طنجة.. هل ستنتصر العدالة أمام نفوذ خبير محاسباتي متهم بالاختلاس؟

تعيش مدينة طنجة على وقع واحدة من أكثر القضايا المالية حساسية، قضية تضع ثقة المواطنين في العدالة على المحك، وتفتح الباب أمام تساؤلات جدية حول مدى تأثير العلاقات والنفوذ داخل بعض الهيئات المهنية. القضية تجمع بين محاسب مهني بسيط (ع/ب) وخبير محاسباتي بارز (خ/ع)، يشغل منصباً داخل هيئة خبراء المحاسبين بجهة طنجة–تطوان–الحسيمة، وهو موقع يعتبره المشتكي درعاً غير معلن يحول دون محاسبته.

المعطيات المتوفرة في الملف تشير إلى نمط واضح لعمليات اختلاس ممنهجة، تتمثل في تحويلات مالية خرجت من حساب الشركة نحو الحساب الشخصي للمشتكى به، وأخرى نحو حسابات تابعة لأفراد من عائلته ومقربين منه، دون عقود أو مبررات قانونية تربطهم بالمؤسسة. لا خدمات، ولا فواتير، ولا التزامات مهنية… مجرد تحويلات مباشرة نحو دائرة محددة، في تناقض صريح مع قواعد التسيير السليم.

وتبرز في الملف واقعة أكثر خطورة، تتعلق باستحواذ المشتكى به على التطبيق البنكي الخاص بالشركة، وتسجيله على هاتفه الشخصي باستخدام رقمه الهاتفي وبريده الإلكتروني، ما مكنه – حسب المشتكي – من تنفيذ عمليات أداء وتحويل دون علم أو تفويض من المسير القانوني الوحيد للشركة. ومن بين الوقائع المثبتة في محاضر الضابطة القضائية، اقتناء دراجة نارية باهظة الثمن من أموال الشركة، عبر العملية المنفذة من التطبيق المثبت في هاتف المشتكى به، قبل تسجيلها باسمه الخاص. وهي معطيات يؤكد بائع الدراجة صحتها خلال الاستماع إليه.

ورغم هذه الأدلة التي يعتبرها المشتكي كافية لاتخاذ إجراءات حاسمة، يؤكد أن الملف يعرف “تماطلاً غير مفهوم”، ويربط ذلك بما وصفه بتصريحات مثيرة أدلى بها المشتكى به خلال المواجهات، حين أكد امتلاكه “علاقات عليا” داخل أجهزة أمنية وقضائية بطنجة. وهي تصريحات خطيرة، وثّق المشتكي جزءاً منها في تسجيل صوتي، وتطرح علامات استفهام حول تأثير النفوذ في مسار المساطر القضائية.

وتتعاظم الأسئلة لدى الرأي العام:
• كيف يمكن لمغاربة العالم أن يطمئنوا لمناخ الاستثمار إذا كان محاسب بسيط يعجز عن استرجاع حقوقه أمام شريك ذي نفوذ؟
• وكيف يمكن تشجيع المستثمرين على العودة للوطن، بينما ملفات الاختلاس قد تتعثر بفعل علاقات مهنية؟
• وهل يمكن للمهام الحساسة داخل الهيئات المهنية أن تتحول إلى مظلة للتهرب من المساءلة؟

القضية تتجاوز حدود نزاع مالي بين شريكين؛ إنها اختبار حقيقي لهيبة القانون. إما أن يُثبت القضاء أن لا أحد فوق المساءلة، أو تُترك انطباعات سلبية قد تمس ثقة المواطنين والمستثمرين في المؤسسات.

المغرب، في ظل التوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس، ما فتئ يؤكد التزامه بمحاربة الفساد وتعزيز مناخ الثقة. وتبقى هذه القضية مناسبة لإعادة التأكيد على أن القانون فوق كل اعتبار، وأن العلاقات والنفوذ لا يمكن أن تشكل حاجزاً أمام العدالة.

وإلى حين كشف مآلات هذا الملف، ستظل القضية عنواناً لصراع أوضح بين منطق العدالة… ومنطق النفوذ.

إعلان

إعلان

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...