طنجة تكبر في الصور… وتتراجع في الواقع: عمدة يطارد الأضواء ومدينة تبحث عمّن يدبّرها

بينما تسير طنجة نحو لعب أدوار وطنية ودولية غير مسبوقة، يبدو أن تدبيرها المحلي لا يرقى إطلاقاً إلى حجم المدينة ولا إلى طموحات ساكنتها. فالعمدة الحالي اختار أن يجعل من حضوره الإعلامي محوراً لعمله، بينما تترك المدينة خلفه علامات استفهام أكبر من أي وقت مضى.

في الوقت الذي تتطلب فيه طنجة قيادة حقيقية، منشغلة بالملفات الثقيلة والقرارات المصيرية، ينشغل رئيس المجلس الجماعي بجدول مزدحم بالزيارات والاستقبالات والصور الرسمية. أجندة متخمة بالبروتوكول، لكنها فارغة من القرارات التي تغير حياة المواطنين. وكأن الأمر يتعلق بعمدة يعيش داخل كاميرا، لا داخل مدينة تنمو وتتوسع وتحتاج إلى من يمسك بدفّة قيادتها بحزم ووضوح.

فالمشهد اليومي بطنجة يكشف حجم المسافة بين الخطاب الرسمي و الواقع الميداني. فالاختناقات المرورية، التي أصبحت جزءاً من الهوية الحضرية للمدينة، لم تعرف أي خطة جريئة لمعالجتها. توسعت الطرق، نعم، لكن بدون رؤية متكاملة، فازدادت الأزمة تعقيداً، وبات الدخول والخروج من بعض الأحياء يتطلب وقتاً يرهق الساكنة والاقتصاد معاً.

ومع توسع المدينة عمرانياً، تتراجع المساحات الخضراء بشكل يثير القلق. الوعود بالتوازن بين الإسمنت والطبيعة بقيت شعارات، بينما تواصل بعض المشاريع ابتلاع ما تبقّى من متنفسات كان يُفترض أن تكون جزءاً من جودة الحياة، لا مادة إضافية في رصيد المستثمرين العقاريين.

ويستمر احتلال الملك العمومي كجرح مفتوح في جسد المدينة، وسط غياب واضح لإرادة سياسية حقيقية تفرض النظام. أرصفة تُغتصب يومياً، وشوارع تتحول إلى أسواق عشوائية، ومقاهي تمتد بلا حدود… كل هذا يحدث بينما العمدة منشغل بالأدوار البروتوكولية، وكأن فوضى المجال العام ليست جزءاً من مسؤوليته المباشرة.

أما الأحياء الصاعدة، التي كانت تُقدّم على أنها رمز “طنجة الجديدة”، فبعضها لا يزال يعيش في ظلام شبه تام، دون إنارة أو طرق معبدة، ودون بنية تحتية تحترم حق السكان في خدمات أساسية. أحياء نبتت بسرعة، لكن تدبيرها تأخر أكثر مما يجب، ما يكشف هشاشة التخطيط وغياب المتابعة.

ويبقى ملف النقل بين الجماعات إحدى أكبر الثغرات التي تعري ضعف التنسيق وضعف الرؤية. آلاف المواطنين يعبرون بين طنجة وضواحيها يومياً في ظروف مرهقة، دون حلول عملية أو مخطط متكامل يخفف الضغط عن المدينة ويمنح سكان المناطق المجاورة حقهم في وسائل نقل محترمة.

في كل هذه الملفات، يظهر غياب العمدة واضحاً… حضورٌ متواصل في الصور واللقاءات، وغياب صارخ في القرارات الميدانية. عمدة يفضّل مسرح السياسة على ورشة العمل، ويُغرق المدينة في تفاصيل غير محسومة بسبب انشغاله بالواجهة بدلاً من الجوهر.

وفي النهاية، ليست المشكلة أن العمدة حاضر… المشكلة أنه حاضر في المكان الخطأ. فطنجة لا تحتاج مسؤولاً يلهث خلف الأضواء، بل قائداً يفهم أن المدن الكبرى تُدار بالجرأة، وبقرارات ثقيلة، لا بصور رسمية وابتسامات جاهزة.

إعلان

إعلان

قد يعجبك ايضا
جار التحميل...